تناول أحد الأفلام الأمريكية فكرة بسيطة جداً .. كبيرة في معناها ونتائجها .. لفتت انتباهي بخصوص فعل الخير، وهي ببساطة تطرح فكرة سَلسَلة فعل الخير بأن تقدم خدمة لشخص مقرّب إليك ولكن بعد أن تشترط عليه أن يفعل هو بالمقابل خدمة إلى شخص آخر في أقرب فرصة، وكانت فكرة فعل الخير تتم بطريقة تلقائية – أي أنك بعد أن تُؤدى لك الخدمة يكون في بالك أن أقرب شخص يطلب منك مساعدة في حدود إمكانياتك فإنك لن تتردد في مساعدته لترد الدين الذي عليك – وأكثر الغربيون معروف عنهم الوفاء بإلتزاماتهم ووعودهم على عكس ما عُرف عن المسلمين – وهكذا تتواصل السَلسَلة. عنوان هذا الفيلم (PAY IT FORWARD) بمعنى أدفعها للأمام أي "الخدمة المسدية لك".
فكرة الفيلم عند الغرب وجدت استحسان وقبول بشكل غير طبيعي وإذا لم تخني ذاكرتي فانهم منحوا هذا الفيلم جائزة مهمة تُسمى "أوسكار" تُمنح للأفلام الجيدة أو شيء من هذا القبيل، المهم في الأمر أنه أُعتبِر سابقة فريدة من نوعها، وأنه شيء جديد على المجتمع الغربي ذلك لأنهم في مجتمعاتهم لا يُقدمون على فعل الخير بدون مقابل، وهذا ملموس لدى من عاشرهم.
فكرة هذا الفيلم موجودة في الإسلام منذ مئات السنين وليست غريبة على المجتمعات الإسلامية، ولكن مع الأسف تكاد تكون إنقرضت "إلا بين من رحم الله من عباده" بينما نحن في أمس الحاجة لها، لما هو محسوس من تكالب قوى الشر والعدوان على الإسلام والمسلمين، ومن باب "حب لأخيك ما تحب لنفسك". فالغرب في سعيه الحثيث للتقدم يعمل على نبش الأفكار التي تساعد مجتمعاتهم على التقدم والتطور، ونحن المسلمون لدينا كل شيء جاهز ولا نكلف أنفسنا عناء البحث – الله يهدينا جميعاً.
في إعتقادي أنه ليس سيئاً الإطلاع على ثقافات الغرب التي لا يجزم أحد بأنها كاملة، ولكن دورنا نحن كمسلمين تنقيحها وأخذ ما هو مفيد ونبذ ما لا يتماشى مع ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا. ولكن المأخذ على المسهبين في تناول هذه الثقافات لدرجة الإنقياد الأعمى والإعتقاد التام بكل ما فيها من صالح وطالح. كما أنهم – الغربيون – قد استفادوا من ثقافتنا وحضاراتنا الإسلامية وهم يقرّون بذلك.
لم لا نضع هذه الفكرة حيّز التنفيذ؟ أليست فكرة نبيلة وفيها فائدة للجميع؟ فوق ذلك كله فهي من أجمل الأخلاق الحميدة للشخصية المسلمة. وألاّ يكون دافعنا كما الغربيون هو إلتزامنا بدفعها للأمام "الخدمة" بعد إسدائها لنا أي (TOPAY IT FORWARD)، بل تكون لوجه الله تعالى، ومن منطلق قول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم : "من فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". حتى ولو على نطاق قرّاء هذا المقال فقط. فأول الغيث قطرة، وسأكون أول المنفذين لها إنشاء الله.
ولا يُخفى أن أوجه فعل الخير كثيرة، ولا تقتصر على المساعدات المادية فقط، فإماطة الأذي عن الطريق هو فعل خير .. وتبسمك في وجه أخيك صدقة وفعل خير، كلٌ وما يوفق الله المرء لفعله.
ويحضرني أن أذكر هنا موقف النبي صلي الله عليه وسلم يوم القيامة عكساً عن كل الأنبياء الذين سوف يقولون : "نفسي .. نفسي" بينما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سوف يقول: "أمتي .. أمتي". فتأمل إيثار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمته على نفسه وقارن هول الموقف "يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل أمريء منهم يومئذ شأن يغنيه" واقتدي.