الروض الأنف
مقدمة الروض الأنف
حمدا لله المقدم على كل أمر ذي بال وذكره - سبحانه - حري ألا يفارق الخلد والبال كما بدأنا - جل وعلا - بجميل عوارفه قبل الضراعة إليه والابتهال فله الحمد - تعالى - حمدا لا يزال دائم الاقتبال . ضافي السربال جديدا على مر الجديدين غير بال . على أن حمده - سبحانه - وشكره على نعمه وجميل بلائه منة من مننه . وآلاء من آلائه . فسبحان من لا غاية لجوده ونعمائه ولا حد لجلاله ولا حصر لأسمائه والحمد لله الذي ألحقنا بعصابة الموحدين ووفقنا للاعتصام بعروة هذا الأمر المتين وخلقنا في إبان الإمامة الموعود ببركتها على لسان الصادق الأمين إمامة سيدنا الخليفة أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين الساطعة أنوارها في جميع الآفاق .
المطفئة بصوب سحائبها ، وجوب كتائبها جمرات الكفر والنفاق
في دولة لحظ الزمان شعاعا
فارتد منتكصا بعيني أرمد
من كان مولده تقدم قبلها
أو بعدها ، فكأنه لم يولد
فله الحمد - تعالى - على ذلك كله حمدا لا يزال يتجدد ويتوالى ، وهو المسئول - سبحانه - أن يخص بأشرف صلواته وأكثف بركاته المجتبى من خليقته والمهدي بطريقته المؤدي إلى اللقم الأفيح والهادي إلى معالم دين الله من أفلح نبيه محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قد أقام به الملة العوجاء ، وأوضح بهديه الطريقة البلجاء وفتح به آذانا صما وعيونا عميا ، وقلوبا غلفا . فصلى الله عليه وعلى آله صلاة تحله أعلى منازل الزلفى .
الغاية من تأليف الكتاب
( وبعد ) فإني قد انتحيت في هذا الإملاء بعد استخارة ذي الطول والاستعانة بمن له القدرة والحول . إلى إيضاح ما وقع في سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي سبق إلى تأليفها أبو بكر محمد بن إسحاق المطلبي ، ولخصها عبد الملك بن هشام المعافري المصري النسابة النحوي مما بلغني علمه ويسر لي فهمه من لفظ غريب أو إعراب غامض أو كلام مستغلق أو نسب عويص أو موضع فقه ينبغي التنبيه عليه أو خبر ناقص يوجد السبيل إلى تتمته مع الاعتراف بكلول الحد عن مبلغ ذلك الحد فليس الغرض المعتمد أن أستولي على ذلك الأمد ولكن لا ينبغي أن يدع الجحش من بذه الأعيار ومن سافرت في العلم همته فلا يلق عصا التسيار وقد قال الأول
افعل الخير ما استطعت ، وإن كا
ن قليلا فلن تحيط بكله
ومتى تبلغ الكثير من الفضل
إذا كنت تاركا لأقله ؟
نسأل الله التوفيق لما يرضيه وشكرا يستجلب المزيد من فضله ويقتضيه .
لماذا أتقن التأليف
قال المؤلف أبو القاسم قلت هذا ; لأني كنت حين شرعت في إملاء هذا الكتاب خيل إلي أن المرام عسير فجعلت أخطو خطو الحسير . وأنهض نهض البرق الكسير وقلت : كيف أرد مشرعا لم يسبقني إليه فارط .
وأسألك سبيلا لم توطأ قبلي بخف ولا حافر فبينا أنا أتردد تردد الحائر إذ سفع لي هنالك خاطر أن هذا الكتاب سيرد الحضرة العلية المقدسة الإمامية . وأن الإمامة ستلحظه بعين القبول وأنه سيكتتب للخزانة المباركة - عمرها الله - بحفظه وكلاءته وأمد أمير المؤمنين بتأييده ورعايته فينتظم الكتاب بسلك أعلاقها ، ويتسق مع تلك الأنوار في مطالع إشرافها ، فعند ذلك امتطيت صهوة الجد وهززت نبعة العزم . ومريت أخلاف الحفظ واجتهرت ينابيع الفكر وعصرت بلالة الطبع فألفيت - بحمد الله - الباب فتحا وسلكت سبل ربي ذللا ، فتبجست لي - بمن الله تعالى - من المعاني الغريبة عيونها ، وانثالت علي من الفوائد اللطيفة أبكارها وعونها ، وطفقت عقائل الكلم يزدلفن إلي بأيتهن أبدأ فأعرضت عن بعضها إيثارا للإيجاز ودفعت في صدور أكثرها خشية الإطالة والإملال لكن تحصل في هذا الكتاب من فوائد العلوم والآداب وأسماء الرجال والأنساب ومن الفقه الباطن اللباب وتعليل النحو وصنعة الإعراب ما هو مستخرج من نيف على مائة وعشرين ديوانا ، سوى ما أنتجه صدري ، ونفحه فكري . ونتجه نظري ، ولقنته عن مشيختي ، من نكت علمية لم أسبق إليها ، ولم أزحم عليها ، كل ذلك بيمن الله وبركة هذا الأمر المحيي لخواطر الطالبين والموقظ لهمم المسترشدين والمحرك للقلوب الغافلة إلى الاطلاع على معالم الدين مع أني قللت الفضول وشذبت أطراف الفصول ولم أتتبع شجون الأحاديث وللحديث شجون ولا جمحت بي خيل الكلام إلى غاية لم أردها ، وقد عنت لي منه فنون فجاء الكتاب من أصغر الدواوين حجما . ولكنه كنيف مليء علما ، ولو ألفه غيري لقلت فيه أكثر من قولي هذا .
وكان بدء إملائي هذا الكتاب في شهر المحرم من سنة تسع وستين وخمسمائة وكان الفراغ منه في جمادى الأولى من ذلك العام .
سنده
فالكتاب الذي تصدينا له من السير هو ما حدثنا به الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي سماعا عليه قال ثنا أبو الحسن القرافي الشافعي ، قال ثنا أبو محمد بن النحاس قال ثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد عن أبي سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن أبي زرعة الزهري البرقي عن أبي محمد عبد الملك بن هشام وحدثنا به أيضا - سماعا عليه - أبو مروان عبد الملك بن سعيد بن بونه القرشي العبدري عن أبي بحر سفيان بن العاص الأسدي عن أبي الوليد هشام بن أحمد الكناني .
وحدثني به أيضا أبو مروان عن أبي بكر بن بزال عن أبي عمر أحمد بن محمد المقري الطلمنكي عن أبي جعفر أحمد بن عون الله بن حدير عن أبي محمد بن الورد عن البرقي عن ابن هشام .
وحدثني به أيضا - سماعا وإجازة - أبو بكر محمد بن طاهر الإشبيلي عن أبي علي الغساني عن أبي عمر النمري وغيره عن أشياخه عن الطلمنكي بالإسناد المتقدم .